قال القاضي أبو محمد : ويمكن أن يقدر الاضطرار إليها إباحة لها، وقال بعضهم : بل يحسن في العقل أن تكون مباحة إذ التحكم في ملك الغير بوجه لا ضرر عليه فيه كالاستظلال بالجدران ونحوه مباح، فإذا كان هذا في الشاهد جائزاً فهو في عظم قدر الله تعالى ووجود أجوز، إذ لا ضرر في تصرفنا نحن في ملكه، ويتعلق بحقه شيء من ذلك، وقال أهل الحق والسنة في هذا النحو من النظر، بل الأمر في نفسه على الوقف ولا يوجب العقل تحسيناً ولا تقبيحاً بمجرده يدان به، ولا يتجه حكم الحسن والقبيح إلا بالشرع، وقال بعضهم : والعقل لم يخل قط من شرع، فلا معنى للخوض في هذه المسألة ولا لفرض ما لا يقع، وذهبوا إلى الاحتجاج بأن آدم عليه السلام قد توجهت عليه الأوامر والنواهي في الجنة، بقوله تعالى له حين جرى الروح في جسده فعطس : قل الحمد لله يا آدم، وبقوله : اسكن وكل ولا تقرب ونحو هذا، وقال القاضي ابن الباقلاني في التقريب والإرشاد : إن الفقهاء الذين قالوا بالحظر والإباحة لم يقصدوا الكون مع المعتزلة في غوايتهم، ولكنهم رأوا لهم كلاماً ملفقاً مموهاً فاستحسنوه دون أن يشعروا بما يؤول إليه من الفساد في القول بتحسين العقل وتقبيحه.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا الكلام حمل على فقهاء الشرع واستقصار لهم، والصواب أن لا يظن بهم هذا الخلل وإنما التمسوا على نوازلهم تعليق حكم الحظر والإباحة من الشرع وهم مع ذلك لا يحمل عليهم أنهم يدفعون الحق في أن العقل لا يحسن ولا يقبح دون الشرع، وقد تقدم في سورة البقرة ذكر الاختلاف في الشجرة وتعيينها. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله تعالى :﴿ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ﴾
أي وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وذلك بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه وطرده من الجنة ﴿ فكُلا من حيث شئتما ﴾ يعني فكُلا من ثمار الجنة من أي مكان شئتما.


الصفحة التالية
Icon