البحث الثالث : دلت هذه الآية على أن كشف العورة من المنكرات وأنه لم يزل مستهجناً في الطباع مستقبحاً في العقول وقوله :﴿مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين﴾ يمكن أن يكون هذا الكلام ذكره إبليس بحيث خاطب به آدم وحواء، ويمكن أيضاً أن يكون وسوسة أوقعها في قلوبهما، والأمران مرويان إلا أن الأغلب أنه كان ذلك على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى :﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ ومعنى الكلام أن إبليس قال لهما في الوسوسة : إلا أن تكون ملكين وأراد به أن تكونا بمنزلة الملائكة إن أكلتما منها أو تكونا من الخالدين إن أكلتما، فرغبهما بأن أوهمهما أن من أكلها صار كذلك وأنه تعالى إنما نهاهما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ولا يخلدا، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : كيف أطمع إبليس آدم في أن يكون ملكاً عند الأكل من الشجرة مع أنه شاهد الملائكة متواضعين ساجدين له معترفين بفضله.
والجواب : من وجوه : الأول : أن هذا المعنى أحد ما يدل على أن الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض.
أما ملائكة السموات وسكان العرش والكرسي والملائكة المقربون فما سجدوا ألبتة لآدم، ولو كانوا سجدوا له لكان هذا التطميع فاسداً مختلاً.
وثانيها : نقل الواحدي عن بعضهم أنه قال : إن آدم علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة، ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس أن يصير مثل الملك في البقاء، وأقول : هذا الجواب ضعيف، لأن على هذا التقدير المطلوب من الملائكة هو الخلود وحينئذ لا يبقى فرق بين قوله :﴿إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ﴾ وبين قوله :﴿أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين ﴾.


الصفحة التالية
Icon