و ﴿ يخصفان ﴾ معناه يلصقانها ويضمان بعضها إلى بعض، والمخصف الإشفى، وضم الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة، وقرأ جمهور الناس " يَخصفان " من خصف وقرأ عبد الله بن بريدة " يخصّفان " من خصف بشد الصاد وقرأ الزهري " يُخصفان " من أخصف، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب :" يَخَصِّفان " بفتح الياء والخاء وكسر الصاد وشدها، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وأصلها يختصفان كما تقول سمعت الحديث واستمتعته فأدغمت التاء في الصاد ونقلت حركتها إلى الخاء، وكذلك الأصل في القراءة بكسر الخاء بعد هذه، لكن لما سكنت التاء وأدغمت في الصاد اجتمع ساكنان فكسرت الخاء على عرف التقاء ساكنين، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد " يَخِصِّفان " بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد وشدها وقد تقدم تعليلها، قال ابن عباس : إن الورق الذي خصف منه ورق التين، وروى أبيّ عن النبي ﷺ، أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه نخلة سحوق، فلما واقع المعصية وبدت له حاله فرّ على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه يقال إنها الزيتونة فقال لها : أرسليني فقالت ما أنا بمرسلتك، فناداه ربه أمني تفر يا آدم ؟ قال لا يا رب، ولكن أستحييك، قال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال بلى يا رب، ولكن وعزتك ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّاً.
قوله تعالى :
﴿ وناداهما ﴾ الآية، قال الجمهور إن هذا النداء نداء وحي بواسطة، ويؤيد ذلك أنّا نتلقى من الشرع ان موسى عليه السلام هو الذي خصص بين العالم بالكلام، وأيضاً ففي حديث الشفاعة أن بني آدم المؤمنين، يقولون لموسى يوم القيامة أنت خصك الله بكلامه واصطفاك برسالته اذهب فاشفع للناس، وهذا ظاهره أنه مخصص، وقالت فرقة بل هو نداء تكليم.


الصفحة التالية
Icon