إذا ثبت هذا فنقول : إنه لم يتفق لأحد من أكابر الأنبياء عليهم السلام مكالمة مع الله مثل ما اتفق لإبليس، وقد عظم الله تشريف موسى بأن كلمه حيث قال :﴿وَلَمَّا جَاء موسى لميقاتنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وقال :﴿وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً﴾ [ النساء : ١٦٤ ] فإن كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم فكيف حصلت على أعظم الوجوه لإبليس ؟ وإن لم توجب الشرف العظيم، فكيف ذكره الله تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى عليه السلام ؟
والجواب : أن بعض العلماء قال : إنه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي إليه من الملائكة ما منعك من السجود ؟ ولم يسلم أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة.
قالوا : لأنه ثبت أن غير الأنبياء لا يخاطبهم الله تعالى إلا بواسطة، ومنهم من قال : إنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة، ولكن على وجه الإهانة بدليل أنه تعالى قال له :﴿فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين﴾ وتكلم مع موسى ومع سائر الأنبياء عليهم السلام على سبيل الإكرام ألا ترى أنه تعالى قال لموسى :﴿وَأَنَا اخترتك﴾ [ طه : ١٣ ] وقال له ﴿واصطنعتك لِنَفْسِى﴾ [ طه : ٤١ ] وهذا نهاية الإكرام.
قوله تعالى :﴿فاهبط مِنْهَا﴾ قال ابن عباس : يريد من الجنة، وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم.
وقال بعض المعتزلة : إنه إنما أمر بالهبوط من السماء، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة.
﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ أي في السماء.
قال ابن عباس : يريد أن أهل السموات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج إنك من الصاغرين، والصغار الذلة.
قال الزجاج : إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار تنبيهاً على صحة ما قاله النبي ﷺ :" من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله " وقال بعضهم : لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٣٠﴾. بتصرف يسير.


الصفحة التالية
Icon