أما قوله تعالى :﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين﴾
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
في ذكر هذه الجهات الأربع قولان :
القول الأول : أن كل واحد منها مختص بنوع من الآفة في الدين.
والقائلون بهذا القول ذكروا وجوهاً : أحدها :﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني أشككهم في صحة البعث والقيامة ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ ألقي إليهم أن الدنيا قديمة أزلية.
وثانيها :﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ والمعنى أفترهم عن الرغبة في سعادات الآخرة ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ يعني أقوي رغبتهم في لذات الدنيا وطيباتها وأحسنها في أعينهم، وعلى هذين الوجهين فالمراد من قوله :﴿بَيْن أَيْدِيهِمْ﴾ الآخرة لأنهم يردون عليها ويصلون إليها، فهي بين أيديهم، وإذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها.
وثالثها : وهو قول الحاكم والسدي ﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني الدنيا ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الآخرة، وإنما فسرنا ﴿بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ بالدنيا، لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويشاهدها، وأما الآخرة فهي تأتي بعد ذلك.
ورابعها :﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ في تكذيب الأنبياء والرسل الذين يكونون حاضرين ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ في تكذيب من تقدم من الأنبياء والرسل.
وأما قوله :﴿وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ ففيه وجوه : أحدها :﴿عَنْ أيمانهم﴾ في الكفر والبدعة ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ في أنواع المعاصي.
وثانيها :﴿عَنْ أيمانهم﴾ في الصرف عن الحق ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ في الترغيب في الباطل.
وثالثها :﴿عَنْ أيمانهم﴾ يعني أفترهم عن الحسنات ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ أقوى دواعيهم في السيئات.