وعن رسول الله ﷺ أنه قال :" إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له : تدع دين آبائك فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال له : تدع ديارك وتتغرب فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : تقاتل فتقتل، ويقسم مالك، وتنكح امرأتك، فعصاه فقاتل "، وهذا الخبر يدل على أن الشيطان لا يترك جهة من جهات الوسوسة إلا ويلقيها في القلب.
فإن قيل : فلم لم يذكر مع الجهات الأربع من فوقهم ومن تحتهم.
قلنا : أما في التحقيق فقد ذكرنا أن القوى التي يتولد منها ما يوجب تفويت السعادات الروحانية، فهي موضوعة في هذه الجوانب الأربعة من البدن.
وأما في الظاهر : فيروى أن الشيطان لما قال هذا الكلام رقت قلوب الملائكة على البشر، فقالوا : يا إلهنا كيف يتخلص الإنسان من الشيطان مع كونه مستولياً عليه من هذه الجهات الأربع، فأوحى الله تعالى إليهم أنه بقي للإنسان جهتان : الفوق والتحت، فإذا رفع يديه إلى فوق في الدعاء على سبيل الخضوع، أو وضع جبهته على الأرض على سبيل الخشوع غفرت له ذنب سبعين سنة. والله أعلم.
المسألة الثانية :
أنه قال :﴿مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ فذكر هاتين الجهتين بكلمة ﴿مِنْ ﴾.
ثم قال :﴿وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ فذكر هاتين الجهتين بكلمة ﴿عَنْ﴾ ولا بد في هذا الفرق من فائدة.
فنقول : إذا قال القائل جلس عن يمينه، معناه أنه جلس متجافياً عن صاحب اليمين غير ملتصق به.