وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط ﴾
بيان للمأمور به إثر نفي ما أسند أمره إليه تعالى من الأمور المنهي عنها ؛ والقسط على ما قال غير واحد العدل، وهو الوسط من كل شيء المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط.
وقال الراغب :"هو النصيب بالعدل كالنَّصَفِ والنَّصَفة.
ويقال : القسط لأخذ قسط غيره وذلك جور والإقساط لإعطاء قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك يقال : قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل".
وهذا أولى مما قاله الطبرسي من "أن أصله ( الميل ) فإن كان إلى جهة الحق فعدل ومنه قوله سبحانه :﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين ﴾ [ المائدة : ٤٢ ] وإن كان إلى جهة الباطل فجور ومنه قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ [ الجن : ١٥ ] والمراد به هنا على ما نقل عن أبي مسلم جميع الطاعات والقرب.
وروي عن ابن عباس والضحاك أنه التوحيد وقول لا إله إلا الله ومجاهد والسدي وأكثر المفسرين على أنه الاستقامة والعدل في الأمور.
﴿ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾ أي توجهوا إلى عبادته تعالى مستقيمين غير عادلين إلى غيرها ﴿ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ ﴾ أي في وقت كل سجود كما قال الجبائي أو مكانه كما قال غيره فعند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي، وكان حقه فتح العين لضمها في المضارع إلا أنه مما شذ عن القاعدة، وزعم بعضهم أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله، والسجود مجاز عن الصلاة.
وقال غير واحد : المعنى توجهوا إلى الجهة التي أمركم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتكم وهي جهة الكعبة.
والأمر على القولين للوجوب.
واختار المغربي أن المعنى إذا أدركتم الصلاة في أي مسجد فصلوا ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم، والأمر على هذا للندب والمسجد بالمعنى المصطلح ولا يخفى ما فيه من البعد.
ومثله ما قيل : إن المعنى اقصد المسجد في وقت كل صلاة على أنه أمر بالجماعة ندباً عند بعض ووجوباً عند آخرين.


الصفحة التالية
Icon