وبهذا الرد تمحض عملهم تلك الفواحش للضّلال والغرور واتّباع وحي الشّياطين إلى أوليائهم أئمّة الكفر، وقادة الشّرك : مثل عَمْرو بن لُحَي، الذي وَضَعَ عبادة الأصنام، ومثل أبي كَبشة، الذي سنّ عبادة الشّعري من الكواكب، ومثل ظالم بن أسْعد، الذي وضع عبادة العُزى، ومثل القلَمَّسسِ، الذي سنّ النَّسيء إلى ما اتّصل بذلك من موضوعات سدنة الأصنام وبيوتتِ الشّرك.
واعلم أن ليس في الآية مستند لإبطال التّقليد في الأمور الفرعيّة أو الأصول الدّينيّة لأنّ التّقليد الذي نعاه الله على المشركين هو تقليدهم مَن ليسوا أهلاً لأنّ يقلَّدوا، لأنّهم لا يرتفعون عن رتبة مقلِّديهم، إلاّ بأنّهم أقدم جيلاً، وأنّهم آباؤهم، فإنّ المشركين لم يعتذروا بأنّهم وجدوا عليه الصّالحين وهداة الأمّة، ولا بأنّه ممّا كان عليه إبراهيم وأبناؤه، ولأنّ التّقليد الذي نعاه الله عليهم تقليد في أعمال بديهيّة الفساد، والتّقليد في الفساد يستوي، هو وتسنينه، في الذّم، على أنّ تسنين الفساد أشدّ مذمّة من التّقليد فيه كما أنبأ عنه الحديث الصّحيح :" مَا من نفس تُقتل ظُلماً إلاّ كان على ابنِ آدم الأولِ كِفْل من دمها ذلك لأنّه أوّلُ من سَنّ القتل " وحديث :" مَن سَنّ سُنّة سَيِّئة فعليه وزرها ووزر من عَمِل بها إلى يوم القيامة ".
فما فرضه الذين ينزعون إلى علم الكلام من المفسّرين في هذه الآية من القول في ذمّ التّقليد ناظر إلى اعتبار الإشراك داخلاً في فعل الفواحش. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon