فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذي حرموه ليس بحرام بين في هذه الآية أنواع المحرمات، فحرم أولاً الفواحش، وثانياً الإثم، واختلفوا في الفرق بينهما على وجوه : الأول : أن الفواحش عبارة عن الكبائر، لأنه قد تفاحش قبحها أي تزايد والإثم عبارة عن الصغائر فكان معنى الآية : أنه حرم الكبائر والصغائر، وطعن القاضي فيه، فقال هذا يقتضي أن يقال : الزنا، والسرقة، والكفر ليس بإثم وهو بعيد.
القول الثاني : أن الفاحشة اسم لا يجب فيه الحَدّ، والإثم اسم لما يجب فيه الحَدّ، وهذا وإن كان مغايراً للأول إلا أنه قريب منه، والسؤال فيه ما تقدم.
والقول الثالث : أن الفاحشة اسم للكبيرة، والإثم اسم لمطلق الذنب سواء كان كبيراً أو صغيراً.
والفائدة فيه : أنه تعالى لما حرم الكبيرة أردفها بتحريم مطلق الذنب لئلا يتوهم أن التحريم مقصور على الكبيرة وعلى هذا القول اختيار القاضي.
والقول الرابع : أن الفاحشة وإن كانت بحسب أصل اللغة اسماً لكل ما تفاحش وتزايد في أمر من الأمور، إلا أنه في العرف مخصوص بالزيادة.
والدليل عليه أنه تعالى قال في الزنا :﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] ولأن لفظ الفاحشة إذا أطلق لم يفهم منه إلا ذلك، وإذا قيل فلان فَحّاش : فهم أنه يشتم الناس بألفاط الوقاع، فوجب حمل لفظ الفاحشة على الزنا فقط.
إذا ثبت هذا فنقول : في قوله :﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ على هذا التفسير وجهان : الأول : يريد سر الزنا، وهو الذي يقع على سبيل العشق والمحبة، وما ظهر منها بأن يقع علانية.
والثاني : أن يراد بما ظهر من الزنا الملامسة والمعانقة ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ الدخول.
وأما الإثم فيجب تخصيصه بالخمر، لأنه تعالى قال في صفة الخمر :﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] وبهذا التقدير : فإنه يظهر الفرق بين اللفظين.