النوع الثالث : من المحرمات قوله :﴿والبغى بِغَيْرِ الحق﴾ فنقول : أما الذين قالوا : المراد بالفواحش جميع الكبائر، وبالإثم جميع الذنوب.
قالوا : إن البغي والشرك لا بد وأن يكونا داخلين تحت الفواحش وتحت الإثم، إلا أن الله تعالى خصهما بالذكر تنبيهاً على أنهما أقبح أنواع الذنوب، كما في قوله :﴿وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وفي قوله :﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُوح﴾ [ الأحزاب : ٧ ]، وأما الذين قالوا الفاحشة مخصوصة بالزنا والإثم بالخمر، قالوا : البغي والشرك على هذا التقرير غير داخلين تحت الفواحش والإثم فنقول : البغي لا يستعمل إلا في الإقدام على الغير نفساً، أو مالاً، أو عرضاً، وأيضاً قد يراد بالبغي الخروج على سُلطان الوقت.
فإن قيل : البغي لا يكون إلا بغير الحق، فما الفائدة في ذكر هذا الشرط.
قلنا أنه مثل قوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ [ الإسراء : ٣٣ ] والمعنى : لا تقدموا على إيذاء الناس بالقتل والقهر، إلا أن يكون لكم فيه حق، فحينئذ يخرج من أن يكون بغياً.
والنوع الرابع : من المحرمات قوله تعالى :﴿وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا﴾ وفيه سؤال : وهو أن هذا يوهم أن في الشرك بالله ما قد أنزل به سلطاناً، وجوابه : المراد منه أن الإقرار بالشيء الذي ليس على ثبوته حجة، ولا سلطان ممتنع، فلما امتنع حصول الحجة والتنبيه على صحة القول بالشرك، فوجب أن يكون القول به باطلاً على الإطلاق، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بالتقليد باطل.


الصفحة التالية
Icon