الْأَمْرَاضِ الْجَسَدِيَّةِ، وَالرِّيَاضَةُ الشَّاقَّةُ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا إِضْعَافُ التَّرَفِ لِلْأَبْدَانِ. وَأَعْظَمُ هَذِهِ الْقُوَى الْوَاقِيَةِ لِلْأُمَمِ النِّظَامُ وَمُرَاعَاةُ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى فِي نَفْسِ الظُّلْمِ، وَفِي إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَضُرُّ الظَّالِمِينَ عِلْمُهُمْ بِهِ وَلَوْ مِنْ أَقْوَامِهِمْ، وَإِتْقَانِ الْوَسَائِلِ وَالْأَسْبَابِ فِي إِلْبَاسِ ظُلْمِهِمْ لِبَاسَ الْعَدْلِ، وَجَعْلِ بَاطِلِهِمْ عَيْنَ الْحَقِّ، وَإِبْرَازِ إِفْسَادِهِمْ فِي صُورَةِ الْإِصْلَاحِ، وَإِيجَادِ أَنْصَارٍ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظْلُومِينَ، بَلْ إِقْنَاعِ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ، بِأَنَّ سِيَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ سِيَادَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَحَلَّ لِشَرْحِهِ هُنَا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ الْمِصْرِيِّ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ
الظُّلْمِ الْوَطَنِيِّ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الظُّلْمِ الْأَجْنَبِيِّ فِي مِصْرَ وَأَمْثَالِهَا.

لَقَدْ كَانَ هَذَا الظُّلْمُ فَوْضَى فَهُذِّبَتْ حَوَاشِيهِ حَتَّى صَارَ ظُلْمًا مُنَظَّمَا
وَقَدْ قُلْتُ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ مَرَّةً : مَا بَالُ بَاطِلِ هَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجِ فِي شُئُونِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ ثَابِتًا نَامِيًا لَا يَدْمَغُهُ الْحَقُّ ؟ - أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ - فَقَالَ : إِنَّهُ ثَابِتٌ بِالتَّبَعِ لِلنِّظَامِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى الْحَقِّ، أَيْ فَهُوَ يَزُولُ إِذَا قُذِفَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ مُؤَيَّدٍ بِنِظَامٍ مِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ، فَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ لَهُ الْمُسْتَعْبِدُونَ لَهُمْ فِي الشَّرْقِ، مَعَ مُبَارَاتِهِمْ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ دُونَ التَّرَفِ وَالْفِسْقِ.


الصفحة التالية
Icon