بِيدَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ انْتِقَامَ اللهِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مُقْتَضَى سُنَنِهِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُمْ، فَهُوَ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ اسْتِئْخَارِ الْعَذَابِ بِأَسْبَابِ تَأْخِيرِ الْأَجَلِ، وَلَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهِ. فَإِنَّمَا مَنْعُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالِاعْتِدَالِ، وَالصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ. وَإِنَّ حُكَمَاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلْنَا بَعْضَ أَقْوَالِهِمْ فِي الْمَنَارِ، وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَنَا فِي مَدِينَةِ (جِنِيفَ - سِوِيسْرَةَ) إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُقَلَاءِ يَتَوَقَّعُونَ قُرْبَ هَلَاكِ أُورُبَّةَ فِي حَرْبٍ عَاجِلَةٍ شَرٍّ مِنَ الْحَرْبِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي فَقَدَتْ بِهَا أُلُوفَ الْأُلُوفِ مِنْ قَتْلَى الْمَعَارِكِ، وَمِثْلَهُمْ مَا بَيْنَ قَتِيلِ مَرَضٍ أَوْ مَخْمَصَةٍ، وَمُشَوَّهٍ أَضْحَى عَالَةً عَلَى الْوَطَنِ. وَإِنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ أَلَّا يَعْدُوَ هَلَاكُهَا هَذَا الْجِيلَ. وَمِنْهَا مَا قَالَهُ أَحَدُ ضُبَّاطِ الْإِنْكِلِيزِ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ مِنْ حَدِيثٍ دَارَ بَيْنَهُمْ فِي عُمْرِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْهَا الْفَسَادُ الَّذِي ذَهَبَ بِإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِ، وَأَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ أَنَّهَا قَدْ تَعِيشُ ثَمَانِينَ عَامًا. وَقَدْ كُنْتُ مُنْذُ أَيَّامٍ أَتَحَدَّثُ مَعَ بَعْضِ أَذْكِيَاءِ الْيَهُودِ فِي مَفَاسِدِ الْفَرَنْسِيسِ وَقِلَّةِ نَسْلِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ أَجَلَهُمْ لَا يَتَجَاوَزُ هَذَا الْجِيلَ. فَقَالَ : إِنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ جِيلَيْنِ اثْنَيْنِ. كُلُّ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ مِنَ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ.


الصفحة التالية
Icon