وَإِنَّمَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوِ الْإِلْمَامِ بِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ الْعُمْرَانِ لَا فِي الْغَرْبِ وَلَا فِي الشَّرْقِ، هُوَ أَنَّ إِسْرَافَ شُعُوبِ أُورُبَّةَ فِي الْفِسْقِ، وَإِصْرَارِ حُكُومَاتِهَا عَلَى سِيَاسَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الطَّمَعِ وَالْمَكْرِ، وَالتَّلْبِيسِ وَالتَّنَازُعِ عَلَى الِاسْتِعْمَارِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَتَأْيِيدِ الْأَفْرَادِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَالِ، عَلَى الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْعُمَّالِ - كُلُّ ذَلِكَ مِنْ دُودِ الْفَسَادِ الْمُفْضِي إِلَى
الْهَلَاكِ. وَلْيُرَاجِعْ مَنْ شَاءَ مَا دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ السِّيَاسِيِّ السُّوِيسِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مِنْ رِحْلَتِي الْأُورُبِّيَّةِ فِي الْمَنَارِ (ج ٨ م ٢٣).
عَلَى أَنَّ الْحَرْبَ الْأَخِيرَةَ قَدْ ثَلَّتْ عَرْشَ قَيَاصِرَةِ الرُّوسِ وَالنَّمِسَةِ، وَمَزَّقَتْ مَمَالِكَهُمَا كُلَّ مُمَزَّقٍ، كَمَا مَزَّقَتْ سَلْطَنَةَ آلِ عُثْمَانَ فَجَعَلَتْهَا فِي خَبَرِ كَانَ. وَأَسْقَطَتْ عَرْشَ عَاهِلِ الْأَلْمَانِ، وَصَارَتْ دَوْلَتُهُمْ جُمْهُورِيَّةً، وَثَلَّتْ عُرُوشَ مُلُوكٍ آخَرِينَ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ فِي أُورُبَّةَ لَمْ يَتَّعِظُوا وَلِمَ يَزْدَجِرُوا، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ.
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الِاجْتِمَاعِ وَالْأَخْلَاقِ وَفَلَاسِفَةُ التَّارِيخِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْهِمْ دَاءُ الْأُمَمِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُمْ وَيُنْذِرُونَهُمْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا يَتَّعِظُونَ وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ ذَنْبِهِمْ، وَلَا يَثُوبُونَ إِلَى رُشْدِهِمْ ؟.


الصفحة التالية
Icon