قُلْنَا : إِنَّ أَمْرَنَا فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَدْ أَنْذَرَنَا رَبُّنَا فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا فِي أَمْرِ دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا جَمِيعًا، وَلِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، مَا لَيْسَ لِكَلَامِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْمَادِّيِّينَ، فَمِنَّا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْمَعُ النُّذُرَ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُهَا إِذَا سَمِعَهَا (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ) (٨ : ٢٣) وَمَنْ يَتَمَارَوْنَ بِهَا أَوْ يَتَأَوَّلُونَهَا، وَمَنْ تُغْرِهِمْ أَنْفُسُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهَا، فَتَعْدُوهُمْ أَوْ يَعْدُونَهَا، وَمَنْ يَجْهَلُونَ عِلَاجَ الْعِلَّةِ أَوْ يَعْجَزُونَ عَنْهُ، وَمَتَى أَزْمَنَ الدَّاءُ بَطُلَ فِعْلُ الدَّوَاءِ، وَإِذَا تَمَكَّنَتِ الْأَهْوَاءُ فِي الْأَنْفُسِ وَصَارَتْ مَلَكَاتٍ لَهَا، مَلَكَتْ عَلَيْهَا أَمْرَهَا، وَغَلَبَتْهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا، وَهَذَا مُشَاهَدُ فِي الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمُ أَوْلَى بِهِ مِنْهَا. فَإِنَّكَ تَرَى بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ يَسْكَرُونَ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ضَرَرِ السُّكْرِ، وَلَكِنَّ دَاعِيَتَهُ أَرْجَحُ فِي النَّفْسِ مِنْ وَازِعِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ. عَذَرْتُ طَبِيبًا عَلَى الشُّرْبِ مُذَكِّرًا لَهُ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ضُرِّهِ - فَقَالَ لِأَنْ أَعِيشَ عَشْرًا بِلَذَّةٍ آثَرُ عِنْدِي مِنْ أَنْ أَعِيشَ عِشْرِينَ مَحْرُومًا مِنْهَا. فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ هَذَا مَضْمُونًا لَكَ، لَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْكَ، وَلَكِنَّ عِلْمَكُمْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الْخَمْرَ تُحْدِثُ لَكَ مِنَ الْأَسْقَامِ مَا تَعِيشُ بِهِ الْعِشْرِينَ فِي أَشَدِّ الْآلَامِ ؟ فَسَكَتَ. وَقَدِ ابْتُلِيَ بِالصَّرَعِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ


الصفحة التالية
Icon