وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء ﴾
أي لأرواحهم.
جاءت بذلك أخبار صحاح ذكرناها في كتاب ( التذكرة ).
منها حديث البراء بن عازِب، وفيه في قبض روح الكافر قال : ويخرج منها ريح كأنتن جِيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرّون على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة.
فيقولون فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحِون فلا يفتح لهم، ثم قرأ رسول الله ﷺ ﴿ لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء ﴾ الآية.
وقيل : لا تفتح لهم أبواب السماء إذا دعوا ؛ قاله مجاهد والنخعي.
وقيل : المعنى لا تفتح لهم أبواب الجنة لأن الجنة في السماء.
ودل على ذلك قوله :﴿ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط ﴾ والجمل لا يلج فلا يدخلونها ألْبَتَّة.
وهذا دليل قطعيّ لا يجوز العفو عنهم.
وعلى هذا أجمع المسلمون الذين لا يجوز عليهم الخطأ أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر لهم ولا لأحد منهم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب : فإن قال قائل كيف يكون هذا إجماعاً من الأمة؟ وقد زعم قوم من المتكلمين بأن مقلِّدة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ليسوا في النار.
قيل له : هؤلاء قوم أنكروا أن يكون المقلِّد كافراً لشبهة دخلت عليهم، ولم يزعموا أن المقلد كافر وأنه مع ذلك ليس في النار، والعلم بأن المقلد كافر أو غير كافر طريقه النظر دون التوقيف والخبر.
وقرأ حمزة والكسائي "لاَ يُفَتَّحُ" بالياء مضمومة على تذكير الجمع.
وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث الجماعة ؛ كما قال :﴿ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب ﴾ [ ص : ٥٠ ] فأنث.
ولما كان التأنيث في الأبواب غير حقيقي جاز تذكير الجمع.
وهي قراءة ابن عباس بالياء.


الصفحة التالية
Icon