ولما كان حسن الجوار لا يلذ إلاّ بطيب القرار باحكام الدار، وكان الماء سبب العمارة وطيب المنازل، وكان الجاري منه أعم نفعاً وأشد استجلاباً للسرور قال تعالى ﴿تجري من﴾ وأشار إلى علوهم بقوله :﴿تحتهم الأنهار﴾ فلما تمت لهم النعمة بالماء الذي به حياة كل حياة كل شيء فعرف أنه يكون عنه الرياض والأشجار وكل ما به حسن الدار، أخبر عن تعاطيهم الشكر لله ولرسوله المستجلب للزيادة بقوله :﴿وقالوا الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة لذاته لا لشيء آخر ؛ ثم وصفوه بما يقتضي ذلك له لأوصافه أيضاً، فقالوا معلمين أنه لا سبب لهم في الوصول إلى النعيم غير النعيم غير فضله في الأولى والأخرى :﴿الذي هدانا﴾ أي بالبيان والتوفيق، وأوقعوا الهداية على ما وصلوا إليه إطلاقاً للمسبب على السبب ﴿لهذا﴾ أي للعمل الذي أوصلنا إليه ﴿وما﴾ أي والحال أنا ما ﴿كنا لنهتدي﴾ أصلاً لبناء جبلاتنا على خلاف ذلك ﴿لولا أن هدانا الله﴾ أي الذي له الأمر كله، وقراءة ابن عامر بغير واو على أن الجملة موضحة لما قلبها، والقراءتان دامغتان للقدرية.
ولما كان تصديقهم للرسل في الدنيا إيماناً بالغيب من باب علم اليقين، أخبروا في الآخرة بما وصلوا إليه من عين اليقين سروراً وتبججاً لا تعبداً، وثناء على الرسل ومن أرسلهم بقولهم مفتتحين بحرف التوقع لأنه محله :﴿لقد جاءت رسل ربنا﴾ أي المحسن إلينا ﴿بالحق﴾ أي الثابت الذي يطابقه الواقع الذي لا زوال له.