طعن بعضهم فقال : هذه الآية تدل على أن العبد إنما يدخل الجنة بعمله، وقوله عليه السلام :" لن يدخل أحد الجنة بعمله وإنما يدخلها برحمة الله تعالى " وبينهما تناقض، وجواب ما ذكرنا : أن العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته، وإنما يوجه لأجل أن الله تعالى بفضله جعله علامة عليه ومعرفة له، وأيضاً لما كان الموفى للعمل الصالح هو الله تعالى كان دخول الجنة في الحقيقة ليس إلا بفضل الله تعالى.
المسألة الثالثة :
قال القاضي : قوله تعالى :﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ خطاب عام في حق جميع المؤمنين، وذلك يدل على أن كل من دخل الجنة فإنما يدخلها بعمله، وإذا كان الأمر كذلك امتنع قول من يقول : إن الفساق يدخلون الجنة تفضلاً من الله تعالى.
إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن لا يخرج الفاسق من النار لأنه لو خرج لكان إما أن يدخل الجنة أو لا يدخلها.
والثاني : باطل بالإجماع، والأول : لا يخلو إما أن يدخل الجنة على سبيل التفضل أو على سبيل الاستحقاق، والأول باطل، لأنا بينا أن هذه الآية تدل على أن أحداً لا يدخل الجنة بالتفضل، والثاني : أيضاً باطل لأنه لما دخل النار وجب أن يقال : إنه كان مستحقاً للعقاب فلو أدخل الجنة على سبيل الاستحقاق لزم كونه مستحقاً للثواب، وحينئذ يلزم حصول الجمع بين استحقاق الثواب واستحقاق العقاب وهو محال لأن الثواب منفعة دائمة خالصة عن شوائب الضرر والعقاب مضرة دائمة خالصة عن شوائب المنفعة والجمع بينهما محال.
وإذا كان كذلك كان الجمع بين حصول استحقاقهما محالاً.
والجواب : هذا بناء على أن استحقاق الثواب والعقاب لا يجتمعان.
وقد بالغنا في إبطال هذا الكلام في سورة البقرة، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٦٦ ـ ٦٨﴾