قُلْنَا : إِنَّ تَأْثِيرَ الْفِسْقِ وَالْفَسَادِ فِي الْأُمَمِ يُشْبِهُ تَأْثِيرَهُ فِي الْأَفْرَادِ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنِ اخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ وَالْأَمْزِجَةِ فِي احْتِمَالِ الْأَمْرَاضِ، وَاخْتِلَافِ وَسَائِلِ الْمَعِيشَةِ وَالْعِلَاجِ، فَأَطِبَّاءُ الْأَبْدَانِ مُجْمِعُونَ عَلَى مَضَارِّ السُّكَّرِ الْكَثِيرَةِ وَكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْبَدَنِ الْقَوِيِّ دُونَ تَأْثِيرِهَا فِي الْبَدَنِ الضَّعِيفِ، فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهَا يُبْطِئُ تَأْثِيرَ ضَرَرِهِ عَنْ تَأْثِيرِ الْكَثِيرِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا أَضَرُّ مِنْ بَعْضٍ، وَأَطِبَّاءُ الِاجْتِمَاعِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْفِسْقِ وَالتَّرَفِ مُفْسِدٌ لِلْأُمَمِ، وَأَنَّ الظُّلْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَالْغُلُوَّ فِي الْمَطَامِعِ وَالْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّنَازُعَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ، وَلَكِنْ لَدَى هَذِهِ الدُّوَلِ كَثِيرًا مِنَ الْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ الَّتِي تُقَاوِمُ بِهَا سُرْعَةَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، كَالْأَدْوِيَةِ وَطُرُقِ الْوِقَايَةِ الَّتِي تُقَاوِمُ بِهَا سُرْعَةَ تَأْثِيرِ هَذِهِ