فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين ما يقوله أصحاب الأعراف لأهل النار، أتبعه بذكر ما يقوله أهل النار لأهل الجنة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار بفرج بعد اليأس فقالوا : يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر الله الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودت وجوههم وصاروا خلقاً آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا :﴿أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء﴾ وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب بسبب شدة حر جهنم.
وقوله :﴿أَفِيضُواْ﴾ كالدلالة على أن أهل الجنة أعلى مكاناً من أهل النار.
فإن قيل : أسألوا مع الرجاء، والجواز، ومع اليأس ؟
قلنا : ما حكيناه عن ابن عباس يدل على أنهم طلبوا الماء مع جواز الحصول.
وقال القاضي : بل مع اليأس، لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم وأنه لا يفتر عنهم، ولكن الآيس من الشيء قد يطلبه كما يقال في المثل : الغريق يتعلق بالزبد، وإن علم أنه لا يغيثه.
وقوله :﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ قيل إنه الثمار، وقيل إنه الطعام، وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لهم، عن أبي الدرداء أن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع.