وأمّا المعاني الصّريحة فمدلولة بالأصالة عند عدم القرينة المانعة.
والاستفهام في جملة :﴿ فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ﴾ مستعمل مجازاً مرسلاً بعلاقة اللّزوم في توقيف المخاطبين على غلطهم، واثارة ندامتهم وغمّهم على ما فرط منهم، والشّماتة بهم في عواقب عنادهم.
والمعاني المجازيّة التي علاقتها اللّزوم يجوز تعدّدها مثل الكناية، وقرينة المجاز هي : ظهور أنّ أصحاب الجنّة يعلمون أنّ أصحاب النّار وجدوا وعده حقاً.
والوجدان : إلفاء الشّيء ولقيّه، قال تعالى :﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان ﴾ [ القصص : ١٥ ] وفِعله يتعدّى إلى مفعول واحد، قال تعالى :﴿ ووجد الله عنده ﴾ [ النور : ٣٩ ] ويغلب أن يذكر مع المفعول حالُه، فقوله :﴿ وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ﴾ معناه ألفيناه حالَ كونه حقاً لا تخلّف في شيء منه، فلا يدلّ قوله :﴿ وجدنا ﴾ على سبق بحث أو تطلب للمطابقة كما قد يتوهّم، وقد يستعمل الوجدان في الإدراك والظنّ مجازاً، وهو مجاز شائع.
و( ما ) موصولة في قوله :﴿ مَا وعدنا ربّنا ﴾ و﴿ مَا وعد ربّكم ﴾ ودَلت على أنّ الصّلة معلومة عند المخاطبين، على تفاوت في الإجمال والتّفصيل، فقد كانوا يعلمون أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وعد المؤمنين بنعيم عظيم، وتوعّد الكافرين بعذاب أليم، سمع بعضهم تفاصيل ذلك كلَّها أو بعضها، وسمع بعضهم إجمالها : مباشرة أو بالتّناقل عن إخوانهم، فكان للموصولية في قوله :﴿ أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ﴾ إيجازٌ بديع، والجواب بنَعَم تحقيق للمسؤول عنه بهل : لأنّ السؤال بهَل يتضمّن ترجيح السّائل وقوع المسؤول عنه، فهو جوابُ المقرّ المتحسّر المعترف، وقد جاء الجواب صالحاً لظاهر السّؤال وخفيِّه، فالمقصود من الجواب بها تحقيق ما أريد بالسؤال من المعاني حقيقة أو مجازاً، إذ ليست نعَم خاصة بتحقيق المعاني الحقيقيّة.