وثالثها : قالوا : إنهم هم الشهداء، لأنه تعالى وصف أصحاب الأعراف بأنهم يعرفون كل واحد من أهل الجنة وأهل النار، ثم قال قوم : إنهم يعرفون أهل الجنة بكون وجوههم ضاحكة مستبشرة، وأهل النار بسواد وجوههم وزرقة عيونهم، وهذا الوجه باطل، لأنه تعالى خص أهل الأعراف بأنهم يعرفون كل واحد من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولو كان المراد ما ذكروه لما بقي لأهل الأعراف اختصاص بهذه المعرفة، لأن كل أحد من أهل الجنة ومن أهل النار يعرفون هذه الأحوال من أهل الجنة ومن أهل النار، ولما بطل هذا الوجه ثبت أن المراد بقوله :﴿يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم﴾ هو أنهم كانوا يعرفون في الدنيا أهل الخير والإيمان والصلاح، وأهل الشر والكفر والفساد وهم كانوا في الدنيا شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية، فهو تعالى يجلسهم على الأعراف، وهي الأمكنة العالية الرفيعة ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به، ويعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب إلى الدركات.
فإن قيل : هذه الوجوه الثلاثة باطلة، لأنه تعالى قال في صفة أصحاب الأعراف أنهم ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ أي لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء، والملائكة والشهداء.
أجاب الذاهبون إلى هذا الوجه بأن قالوا : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى بين من صفات أصحاب الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر، والسبب فيه أنه تعالى ميزهم عن أهل الجنة وأهل النار، وأجلسهم على تلك الشرفات العالية والأمكنة المرتفعة ليشاهدوا أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار فيلحقهم السرور العظيم بمشاهدة تلك الأحوال، ثم إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فحينئذ ينقلهم الله تعالى إلى أمكنتهم العالية في الجنة، فثبت أن كونهم غير داخلين في الجنة لا يمنع من كمال شرفهم وعلو درجتهم.


الصفحة التالية
Icon