ثم قال الذهبي أيضاً : عن يزيد بن هارون شيخ الإسلام، أنه قيل له : من الجهمية ؟ قال : من زعم أن :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ على خلاف ما يقر في قلوب العامة، فهو جهمي.
قال الذهبي والعامة، مراده بهم، جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية، وهو ما دل عليه الخطاب، مع يقينهم بأن المستوي :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾، هذا هو الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك، لتفوهوا به، ولما أهملوه، ولو تأول أحد منهم الاستواء
لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر. فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الإستواء ما يوجب نقصا أو قياساً للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق، فهذا نادر. فمن نطق بذلك زُجر وعُلم، وما أظن أحداً من العامة يقر في نفسه ذلك - والله أعلم - انتهى.
وقال الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين، الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه في كتابه " تحفة المتقين وسبيل العارفين " في باب اختلاف المذاهب في صفات الله عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه ﴾ قال إسحاق : في العلم، إلى أن قال : والله تعالى بذاته على العرش، علمه محيط بكل مكان والوقف عند أهل الحق على قوله :﴿ إِلاَّ اللّهُ ﴾.
وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله ﷺ وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض، إلى أن قال : ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ وابتدؤوا بقوله :﴿ استوى له ما في السموات وما في الأرض ﴾ يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته.


الصفحة التالية
Icon