وقال في كتابه " الغنية " : أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الإختصار، فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد.
إلى أن قال : لا يخلو من علمه مكان، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش، كما قال جل ثناؤه :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾، وقوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾، وقال تعالى :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾، والنبي ﷺ حكم بإسلام الأَمَة لما قال لها : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء.
وقال النبي ﷺ في حديث أبي هريرة رضي الله
عنه :< لما خلق الله الخلق، كتب كتاباً على نفسه، وهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي >.
وفي لفظ آخر :< لما قضى الله سبحانه الخلق، كتب على نفسه في كتاب، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي >.
وينبغي إطلاق صفة الإستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، لا على معنى القعود والممَاسّة، كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلو والرفعة، كما قالت الأشعرية، ولا على الإستيلاء والغلبة، كما قالت المعتزلة، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث، ذلك، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق.
وقد روي عن أم سلمة زوج النبي ﷺ في قوله عز وجل :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ :< الكيف غير معقول، والإستواء غير مجهول، والإقرار به واجب، والجحود به كفر >.
وقد أسنده مسلم بن الحجاج عنها عن النبي ﷺ في " صحيحه "، وكذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon