وقلنا للجهمية : الله نور ؟ فقالوا : نور كله. فقلنا : قال الله عز وجل :﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾.
فقد أخبر جل ثناؤه أن له نوراً، قلنا : أخبرونا، حين زعمتم أن الله في كل مكان، وهو نور، فلم لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذا زعمتم أن الله في كل مكان ؟ وما بال السراج إذا أدخل البيت المظلم يضيء ؟ فعند ذلك تبين كذبهم على الله.
فرحم الله من عقل عن الله ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة، وقال بقول العلماء، وهو قول المهاجرين والأنصار، وترك دين الشيطان، ودين جهم وشيعته. انتهى.
وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر في كتاب " التمهيد " في شرح حديث :< ينزل ربنا كل ليلة > الحديث، ما نصه : هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله تعالى
في السماء، على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم : إن الله في كل مكان، وليس على العرش.
والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك قوله تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ ثم ساق عدة آيات في ذلك، وقال : هذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة.
وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل :﴿ اسْتَوى ﴾ استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة. ومعنى الإستيلاء في اللغة المغالبة، والله تعالى لا يغالبه أحد، وهو الواحد الصمد.
ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر والأظهر من وجوه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم.