ولو ساغ ادّعاء المجاز لكل مدع، ما ثبت شيء من العبادات. وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب، من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والإستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو العلو والإرتفاع على الشيء، والإستقرار والتمكن فيه.
قال أبو عبيدة في قوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ قال : علا، قال : تقول العرب : استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت.
وقال غيره : استوى أي : استقر، واحتج بقوله تعالى :﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ﴾ انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.
قال ابن عبد البر : الاستواء : الإستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال :﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ وقال تعالى :﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ ﴾، وقال تعالى :﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلىْ الْفُلْكِ ﴾ وقال الشاعر :
~فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى، لأن النجم لا يستولي.
وقد ذكر النضر بن شميل - وكان ثقة مأموناً جليلاً في علم الديانة واللغة - قال : حدثني الخليل - وحسبك بالخليل - قال : أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم ما رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا، فرد علينا السلام، وقال : استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه : إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل : هو من قول الله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾، فصعدنا إليه، قال : وأما من نزع منهم
بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ قال : استولى على جميع بريته، فلا يخلو منه مكان.