وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالإختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر، وأما قوله في الآية الأخرى :﴿ وفِي الأَرْضِ إِلهٌ ﴾ فالإجماع والإتفاق قد بين أن المراد أنه معبود من أهل الأرض. فتدبر هذا فإنه قاطع.
ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع، أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم، إذا كربهم أمر، أو نزلت بهم شدة، رفعوا
وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة، من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته.
لأنه اضطراري لم يخالفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال ﷺ للأمة التي أراد مولاها عتقها، إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن قال لها :< أين الله ؟ > فأشارت إلى السماء. ثم قال لها :< من أنا ؟ > قالت أنت رسول الله. قال :< أعتقها فإنها مؤمنة >. فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفع رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه.
قال : وأما احتجاجهم بقوله : تعالى :﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية : هو على العرش، وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.
وذكر سُنَيْد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مُزَاحم في قوله تعالى :﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ قال : هو على عرشه، وعلمه معهم أينما كانوا.
قال : وبلغني عن سفيان الثوري مثله. قال سُنَيْد : حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بَهْدَلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الله فوق العرش، وعلمه في كل مكان، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.


الصفحة التالية
Icon