وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ :< أن الله عز وجل يقبض الأرض يوم القيامة، ويطوي السموات بيمينه، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك، أين ملوك الأرض > ؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما السموات السبع، والأرضون السبع، وما فيهن، وما بينهن، في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم.
وفي حديث آخر أنه يرميها كما يرمي الصبيان الكرة.
فمن يكون جميع المخلوقات بالنسبة إلى قبضته تعالى، وإلى هذا الحقر والصغار، كيف تحيط به وتحصره ؟
ومن قال إن الله تعالى ليس في جهة، قيل له : ما تريد بذلك ؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السموات رب يعبد، ولا على عرش إله، ونبينا محمد ﷺ لم يعرج به إلى الله تعالى، والأيدي لا ترفع إلى الله تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوب إليه فهذا فرعوني معطل، جاحد لرب العالمين. وإن كان يعتقد أنه مقر به فهو جاهل متناقض في كلامه. ومن هنا دخل أهل الحلول والإتحاد وقالوا : إن الله تعالى بذاته في كل مكان، وإن وجود المخلوقات هو وجود الخالق.
وإن قال : مرادي بقولي ليس في جهة، أن لا تحيط بها
المخلوقات فقد أصاب في هذا المعنى.
وكذلك من قال إن الله تعالى متحيز أو قال ليس بمتحيز : إن أرد بقوله متحيز أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ وإن أراد به منحاز عن المخلوقات لا تحوزه فقد أصاب، وإن أراد ليس ببائن عنها، بل هو لا داخل فيها، ولا خارج عنها، فقد أخطأ.
والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف : أهل الحلول والاتحاد، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.
فأهل الحلول يقولون : إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالإتحاد والوحدة، فيقولون : وجود المخلوقات وجود الخالق.


الصفحة التالية
Icon