وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾
جاءت أغراض هذه السّورة متناسبة متماسكة، فإنّها ابتدئت بذكر القرآن والأمرِ باتّباعه ونبذِ ما يصدّ عنه وهو اتّباع الشّرك ؛ ثمّ التّذكيرِ بالأمم التي أعرضت عن طاعة رسل الله، ثمّ الاستدلال على وحدانية الله، والامتناننِ بخلق الأرض والتّمكين منها، وبخلق أصل البشر وخَلقهم، وخُلَل ذلك بالتّذكير بعداوة الشّيطان لأصل البشر وللبشر في قوله :﴿ لأقعدن لهم صراطك المستقيم ﴾ [ الأعراف : ١٦ ].
وانتُقل من ذلك إلى التّنديد على المشركين فيما اتّبعوا فيه تسويل الشّيطان من قوله :﴿ وإذا فعلوا فاحشة ﴾ [ الأعراف : ٢٨ ]، ثمّ بتذكيرهم بالعهد الذي أخذه الله على البشر في قوله :﴿ يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم ﴾ [ الأعراف : ٣٥ ] الآية.
وبأن المشركين ظَلموا بنكث العهد بقوله :﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته ﴾ [ الأعراف : ٣٧ ] وتوعدهم وذكّرهم أحوال أهل الآخرة، وعَقِب ذلك عاد إلى ذكر القرآن بقوله :﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ﴾ [ الأعراف : ٥٢ ] وأنهاه بالتّذييل بقوله :﴿ قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ].
فلا جرم تهيأت الأسماع والقلوب لتلقي الحجّة على أنّ الله إله واحد، وأنّ آلهة المشركين ضلال وباطل، ثمّ لِبيان عظيم قدرته ومجده فلذلك استؤنف بجملة ﴿ إن ربكم الله ﴾ الآية، استئنافاً ابتدائياً عاد به التّذكير إلى صدر السّورة في قوله :﴿ ولا تتبعوا من دونه أولياء ﴾ [ الأعراف : ٣ ]، فكان ما في صدر السّورة بمنزلة المطلوب المنطقي، وكان ما بعده بمنزله البرهان، وكان قوله :﴿ إن ربكم الله ﴾ بمنزلة النّتيجة للبرهان، والنتيجة مساوية للمطلوب إلاّ أنّها تؤخَذُ أوضحَ وأشد تفصيلاً.


الصفحة التالية
Icon