فالخطاب موجّه إلى المشركين ابتداء، ولذلك كان للتّأكيد بحرف ( إنّ ) موقعه لرد إنكار المشركين انفراد الله بالرّبوبيه.
وإذ كان ما اشتملت عليه هذه الآية يزيد المسلمين بصيرة بعظم مجد الله وسعة ملكه، ويزيدهم ذكرى بدلائل قدرته، كان الخطاب صالحاً لتناول المسلمين، لصلاحية ضمير الخطاب لذلك، ولا يكون حرف ( إن ) بالنّسبة إليهم سدى، لأنّه يفيد الاهتمام بالخبر، لأنّ فيه حظاً للفريقين، ولأنّ بعض ما اشتمل عليه ( ما ) هو بالمؤمنين أعلق مثل ﴿ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ﴾ [ الأعراف : ٥٥ ] وقوله :﴿ إن رحمت الله قريب من المحسنين ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ] وبعضه بالكافرين أنسب مثل قوله :﴿ كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ].
وقد جعل المخبرُ عنه الرب، والخبرُ اسمَ الجلالة : لأن المعنى أنّ الرب لكم المعلومَ عندكم هو الذي اسمه الدال على ذاته : اللَّهُ، لا غيره ممَن ليس له هذا الاسم، على ما هو الشّأن، فهي تعريف المسند في نحو : أنا أخوك، يقال لمن يعرف المتكلّم ويعرف أنّ له أخاً ولا يعرف أنّ المتكلم هو أخوه.
فالمقصود من تعريف المسند إفادة ما يسمّى في المنطق بحمل المواطاة، وهو حمل ( هُو هُو ) ولذلك يخيّر المتكلّم في جعل أحد الجزأين مسند إليه، وجعل الآخر مسنداً، لأنّ كليهما معروف عند المخاطب، وإنّما الشّأن أن يجعل أقواهما معرفة عند المخاطب هو المسندَ إليه.
ليكون الحمل أجدى إفادة، ومن هذا القبيل قول المعرّي يصف فارساً في غارة:
يخُوض بَحْراً نَقْعه ماؤُه...
يحُمله السّابح في لِبْدِهِ
إذ قد عَلِم السامع أنّ للفارس عند الغارة نقعاً.


الصفحة التالية
Icon