وعلم أنّ الشّاعر أثبت للفارس بَحراً وأنّ للبحر ماء، فقد صار النّقع والبحر معلومين للسّامع، فأفاده أنّ نقع الفارس هو ماء البحر المزعوم، لأنّه أجدى لمناسبة استعارة البحر للنّقع، وإلاّ فما كان يعوز المعرّي أن يقول : ماؤه نقعه فمن انتقد البيت فإنّه لم ينصفه.
وأُكِّد هذا الخبر بحرف التّوكيد، وإن كان المشركون يثبتون الربوبيّة لله، والمسلمون لا يمترون في ذلك، لتنزيل المشركين مِن المخاطبين منزلة من يتردّد في كون الله ربّاً لهم لكثرة إعراضهم عنه في عباداتهم وتوجهاتهم.
وقولُه :﴿ الذي خلق السموات والأرض ﴾ صفة لاسم الجلالة، والصّلة مؤذنة بالإيماء إلى وجه بناء الخبر المتقدّم، وهو ﴿ إن ربكم الله ﴾ لأنّ خلق السّماوات والأرض يكفيهم دليلاً على انفراده بالإلهية، كما تقدّم عند قوله تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ﴾ بسورة الأنعام ( ١ ).
وقوله : في ستة أيام ثم استوى على العرش } تعليم بعظيم قدرته، ويحصل منه للمشركين زيادة شعور بضلالهم في تشريك غيره في الإلهية، فلا يدلّ قوله :﴿ في ستة أيام ﴾ على أنّ أهل مكّة كانوا يعلمون ذلك، وفيه تحَدّ لأهل الكتاب كما في قوله تعالى :﴿ أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ﴾ [ الشعراء : ١٩٧ ] وليس القصد من قوله :﴿ في ستة أيام ﴾ الاستدلال على الواحدانية، إذ لا دلالة فيه على ذلك.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون خلق السّماوات والأرض مدّرجاً، وأن لا يكون دفعة، لأنّه جعل العوالم متولِّداً بعضُها من بعض، لتكون أتقن صنعاً ممّا لو خُلقت دَفعة، وليكون هذا الخلق مَظْهَراً لصفتي علممِ الله تعالى وقدرتِه، فالقدرة صالحة لخلقها دفعة، لكنّ العلم والحكمة اقتضيا هذا التّدرج، وكانت تلك المدّة أقل زمن يحصل فيه المراد من التّولّد بعظيم القدرة.


الصفحة التالية
Icon