ولعلّ تكرّر ذكر هذه الأيّام في آيات كثيرة لقصد التّنبيه إلى هذه النّكتة البديعة، من كونها مظهر سعة العلم وسعة القدرة.
وظاهر الآيات أنّ الأيّام هي المعروفة للنّاس، التي هي جمعُ اليوم الذي هو مدّة تقدّر من مبدأ ظهور الشّمس في المشرق إلى ظهُورها في ذلك المكان ثانية، وعلى هذا التّفسير فالتّقدير في ما يماثل تلك المدّة ستّ مرّات، لأنّ حقيقة اليوم بهذا المعنى لم تتحقّق إلاّ بعد تمام خلق السّماء والأرض، ليمكن ظهور نور الشّمس على نصف الكرة الأرضية وظهور الظلمة على ذلك النّصف إلى ظهور الشّمس مرّة ثانية، وقد قيل : إنّ الأيّام هنا جمع اليوم من أيّام الله تعالى الذي هو مدّة ألف سنة، فستّة أيام عبارة عن ستّة آلاف من السّنين نظراً لقوله تعالى:
﴿ وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ [ الحج : ٤٧ ] وقوله :﴿ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ﴾ [ السجدة : ٥ ]، ونقل ذلك عن زيد بن أرقم واختاره النّقاش، وما هو ببعيد، وإن كان مخالفاً لما في التّوراة، وقيل المراد : في ستّة أوقات، فإنّ اليوم يطلق على الوقت كما في قوله تعالى :﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ [ الأنفال : ١٦ ] أي حين إذ يلقاهم زَحْفاً، ومقصود هذا القائل أنّ السماوات والأرض خُلقت عالَماً بعد عالم ولم يشترك جميعُها في أوقات تكوينها، وأيّاً مّا كان فالأيام مراد بها مقادير لا الأيام التي واحدها يوم الذي هو من طلوع الشّمس إلى غروبها إذ لم تكن شمس في بعض تلك المدّة، والتّعمّق في البحث في هذا خروج عن غرض القرآن.
والاستواء حقيقتهُ الاعتدال، والذي يؤخذ من كلام المحقّقين من علماء اللّغة والمفسّرين أنّه حقيقة في الارتفاع والاعتلاء، كما في قوله تعالى في صفة جبريل ﴿ فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى ﴾ [ النجم : ٦ ٨ ].