والاستواء له معان متفرّعة عن حقيقته، أشهرها القصد والاعتلاء، وقد التُزم هذا اللّفظ في القرآن مسنداً إلى ضمير الجلالة عند الإخبار عن أحوال سماوية، كما في هذا الآية.
ونظائرُها سبعُ آيات من القرآن : هنا.
وفي يونس، والرّعد، وطه، والفرقان، وألم السجدة، والحديد، وفُصِّلت.
فظهر لي أنّ لهذا الفعل خصوصيّة في كلام العرب كان بِسببها أجدرَ بالدّلالة على المعنى المرادِ تبليغُه مجملاً ممّا يليق بصفات الله ويقرّب إلى الأفهام من معنى عظمته، ولذلك اختِير في هذه الآيات دون غيره من الأفعال التي فسّره بها المفسّرون.
فالاستواء يعبِّر عن شأن عظيم من شؤون عظمة الخالق تعالى، اختير التّعبير به على طريق الاستعارة والتّمثيلِ : لأنّ معناه أقرب معاني المواد العربيّة إلى المعنى المعبّر عنه من شؤونه تعالى، فإنّ الله لمّا أراد تعليم معانٍ من عالم الغيب لم يكن يتأتى ذلك في اللّغة إلاّ بأمثلة معلومة من عالم الشّهادة، فلم يكن بد من التّعبير عن المعاني المغيّبة بعبارات تقرّبها ممّا يعبر به عن عالم الشّهادة، ولذلك يكثر في القرآن ذكر الاستعارات التّمثيليّة والتّخييليّة في مثل هذا.
وقد كان السّلف يتلقّون أمثالها بلا بحثثٍ ولا سؤال لأنّهم علموا المقصود الإجمالي منها فاقتنعوا بالمعنى مجملاً، ويسمّون أمثالَها بالمتشابهات، ثمّ لمّا ظهر عصر ابتداء البحث كانوا إذا سئلوا عن هذه الآية يقولون : استوى الله على العرش ولا نعرف لذلك كيفاً، وقد بيّنتُ أنّ مثل هذا من القسم الثّاني من المتشابه عند قوله تعالى :﴿ وأخر متشابهات ﴾ في سورة آل عمران ( ٧ )، فكانوا يأبون تأويلها.
وقد حكى عياض في المدارك } عن سفيان بن عيينة أنّه قال : سأل رجل مالكاً فقال : الرّحمنُ على العرش استوى.


الصفحة التالية
Icon