والوجه الثاني : في تقرير هذه الحجة : هو أن الممكن محتاج إلى الحَيّز والجهة.
أما عند من يثبت الخلاء.
فلا شك أن الحيز والجِهة تتقرر مع عدم التمكن، وأما عند من ينفي الخلاء فلا، لأنه وإن كان معتقداً أنه لا بد من متمكن يحصل في الجهة، إلا أنه لا يقول بأنه لابد لتلك الجهة من متمكن معين، بل أي شيء كان فقد كفى في كونه شاغلاً لذلك الحيز.
إذا ثبت هذا فلو كان ذات الله تعالى مختصة بجهة وحيز لكانت ذاته مفتقرة إلى ذلك الحيز، وكان ذلك الحيز غنياً تحققه عن ذات الله تعالى وحينئذ يلزم أن يقال : الحيز واجب لذاته غني عن غيره وأن يقال ذات الله تعالى مفتقرة في ذاتها واجبة بغيرها وذلك يقدح في قولنا : الإله تعالى واجب الوجود لذاته.
فإن قيل : الحيز والجهة ليس بأمر موجود حتى يقال ذات الله تعالى مفتقرة إليه ومحتاجة إليه
فنقول : هذا باطل قطعاً لأن بتقدير أن يقال إن ذات الله تعالى مختصة بجهة فوق فإنما نميز بحسب الحس بين تلك الجهة وبين سائر الجهات وما حصل فيه الامتياز بحسب الحس كيف يعقل أن يقال إنه عدم محض ونفي صرف ؟ ولو جاز ذلك لجاز مثله في كل المحسوسات وذلك يوجب حصول الشك في وجود كل المحسوسات، وذلك لا يقوله عاقل.
البرهان الخامس : في تقرير أنه تعالى يمتنع كونه مختصاً بالحيز والجهة نقول : الحيز والجهة لا معنى له إلا الفراغ المحض، والخلاء الصرف، وصريح العقل يشهد أن هذا المفهوم مفهوم واحد لا اختلاف فيه ألبتة.
وإذا كان الأمر كذلك كانت الأحياز بأسرها متساوية في تمام الماهية.
وإذا ثبت هذا فنقول : لو كان الإله تعالى مختصاً بحيز، لكان محدثاً، وهذا محال ؛ فذاك محال.