والتّصريح بالبعدية هنا تسجيل لفظاعة الإفساد بأنّه إفساد لما هو حسن ونافع، فلا معذرة لفاعله ولا مساغ لفعله عند أهل الأرض.
عود إلى أمر الدّعاء لأنّ ما قبله من النّهي عن الإفساد أشبه الاحتراس المعترض بين أجزاء الكلام، وأعيد الأمر بالدّعاء ليبنى عليه قوله :﴿ خوفاً وطمعاً ﴾ قصداً لتعليم الباعث على الدّعاء بعد أن عُلّموا كيفيته، وهذا الباعث تنطوي تحته أغراض الدّعاء وأنواعه، فلا إشكال في عطف الأمر بالدّعاء على مِثله لأنّهما مختلفان باختلاف متعلّقاتهما.
والخوف تقدّم عند قوله تعالى :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ].
والطّمع تقدّم في قوله :﴿ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ﴾ في سورة البقرة ( ٧٥ ).
وانتصاب خوفاً وطمعاً } هنا على المفعول لأجله، أي أنّ الدّعاء يكون لأجل خوف منه وطمع فيه، فحذف متعلِّق الخوف والطّمع لدلالة الضّمير المنصوب في ﴿ ادعوه ﴾.
والواو للتّقسيم للدّعاء بأنّه يكون على نوعين:
فالخوف من غضبه وعقابه، والطّمع في رضاه وثوابه، والدّعاء لأجل الخوف نحو الدّعاء بالمغفرة، والدّعاء لأجل الطّمع نحو الدّعاء بالتّوفيق وبالرّحمة.
وليس المراد أنّ الدّعاء يشتمل على خوف وطمع في ذاته كما فسرّ به الفخر في السّؤال الثّالث لأنّ ذلك وإن صحّ في الطّمع لا يصحّ في الخوف إلاّ بسماجة.
وفي الأمر بالدّعاء خوفاً وطمعاً دليل على أنّ من حظوظ المكلّفين في أعمالهم مراعاة جانب الخوف من عقاب اللَّه والطّمععِ في ثوابه، وهذا ممّا طفحت به أدلّة الكتاب والسنّة، وقد أتى الفخر في السّؤال الثّاني في تفسير الآية بكلام غيْر مُلاق للمعروف عند علماء الأمّة، ونزع به نزعة المتصوّفة الغلاة.
وتعقبّه يطول، فدونك فانظره إن شئت.