وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾
فيه مسألة واحدة وهو أنه سبحانه نهى عن كل فساد قلّ أو كثر بعد صلاحٍ قلّ أو كثر.
فهو على العموم على الصحيح من الأقوال.
وقال الضحاك : معناه لا تُعَوِّروا الماء المَعِين، ولا تقطعوا الشجر المثمِر ضِراراً.
وقد ورد : قطع الدنانير من الفساد في الأرض.
وقد قيل : تجارة الحكام من الفساد في الأرض.
وقال القُشَيرِيّ : المراد ولا تشركوا ؛ فهو نهي عن الشرك وسفك الدماء والهرْج في الأرض، وأمر بلزوم الشرائع بعد إصلاحها، بعد أن أصلحها الله ببعثه الرسلَ، وتقرير الشرائع ووضوح مِلّة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عطية : وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر.
قلت : وأما ما ذكره الضحاك فليس على عمومه، وإنما ذلك إذا كان فيه ضرر على المؤمن، وأما ما يعود ضرره على المشركين فذلك جائز ؛ فإن النبيّ ﷺ قد عَوّر ماء قَلِيب بدر وقطع شجر الكافرين.
وسيأتي الكلام في قطع الدنانير في "هود" إن شاء الله تعالى.
﴿ وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوّف وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، قال الله تعالى :﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم ﴾ [ الحجر : ٤٩ و٥٠ ].
فرجّى وخوّف.
فيدعو الإنسان خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه ؛ قال الله تعالى :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ [ الأنبياء : ٩٠ ].
وسيأتي القول فيه.
والخوف : الانزعاج لما لا يؤمن من المضار.
والطمع : توقع المحبوب ؛ قاله القشيري.
وقال بعض أهل العلم : ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرجاء.