وقال الآلوسى :
﴿ والبلد الطيب ﴾
أي الأرض الكريمة التربة التي لا سبخة ولا حرة، واستعمال البلد بمعنى القرية عرف طار، ومن قبيل ذلك إطلاقه على مكة المكرمة ﴿ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ ﴾ بمشيئته وتيسيره، وهو في موضع الحال، والمراد بذلك أن يكون حسناً وافياً غزير النفع لكونه واقعاً في مقابلة قوله :﴿ والذى خَبُثَ ﴾ من البلاد كالسبخة والحرة ﴿ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا ﴾ أي قليلاً لا خير فيه، ومن ذلك قوله
: لا تنجز الوعد إن وعدت وإن...
أعطيت أعطيت تافهاً نكداً
ونصبه على الحال أو على أنه صفة مصدر محذوف، وأصل الكلام لا يخرج نباته فحذف المضاف إليه وأقيم المضاف مقامه فصار مرفوعاً مستتراً، وجوز أن يكون الأصل ونبات الذي خبث، والتعبير أولاً بالطيب وثانياً بالذي خبث دون الخبيث للإيذان بأن أصل الأرض أن تكون طيبة منبتة وخلافه طار عارض.
وقرىء ﴿ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ ﴾ ببناء ﴿ يَخْرُجُ ﴾ لما لم يسم فاعله ورفع ﴿ نَبَاتُ ﴾ على النيابة عن الفاعل، و﴿ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ ﴾ ببناء ﴿ يَخْرُجُ ﴾ للفاعل من باب الإخراج، ونصب ﴿ نَبَاتُهُ ﴾ على المفعولية، والفاعل ضمير البلد، وقيل ضمير الله تعالى أو الماء، وكذا قرىء في ﴿ يَخْرُجُ ﴾ المنفي، ونصب ﴿ نَكِدًا ﴾ حينئذٍ على المفعولية.
وقرأ أبو جعفر ﴿ نَكِدًا ﴾ بفتحتين على زنة المصدر، وهو نصب على الحال أو على المصدرية أي ذا نكد أو خروجاً نكدا.
وقرأ ﴿ نَكِدًا ﴾ بالإسكان للتخفيف كنزه في قوله
: فقال لي قول ذي رأي ومقدرة...
مجرب عاقل نزه عن الريب
﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك التصريف البديع ﴿ نُصَرّفُ الآيات ﴾ أي نردد الآيات الدالة على القدرة الباهرة ونكررها.
وأصل التصريف تبديل حال بحال ومنه تصريف الرياح.
﴿ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ نعم الله تعالى ومنها تصريف الآيات وشكر ذلك بالتفكر فيها والاعتبار بها، وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك.