وقال ابن عاشور :
﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾
جملة معترضة بين جملة :﴿ كذلك نخرج الموتى ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ] وبين جملة :﴿ لقد أرسلنا نوحاً ﴾ [ الأعراف : ٥٩ ] تتضمّن تفصيلاً لمضمون جملة :﴿ فأخرجنا به من كل الثمرات ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ] إذ قد بيّن فيها اختلاف حال البلد الذي يصيبه ماء السّحاب، دعا إلى هذا التّفصيل أنّه لما مُثِّل إخراج ثمرات الأرض بإخراج المَوتى منها يوم البعث تذكيراً بذلك للمؤمنين، وإبطالاً لإحالة البعث عند المشركين، مُثل هنا باختلاف حال إخراج النّبات من الأرض اختلافُ حال النّاس الأحياءِ في الانتفاع برحمة هُدى الله، فموقع قوله :﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ﴾ كموقع قوله :﴿ كذلك نخرج الموتى ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ] ولذلك ذُيل هذا بقوله :﴿ كذلك نصرف الأيات لقوم يشكرون ﴾ كما ذيل ما قبله بقوله :﴿ كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ].
والمعنى : كذلك نخرج الموتى وكذلك ينتفع برحمة الهَدْي من خُلقت فطرته طيّبة قابلة للهُدى كالبلد الطّيّب ينتفع بالمطر، ويحرم من الانتفاع بالهدى من خلقت فطرته خبيثة كالأرض الخبيثة لا تنتفع بالمطر فلا تنبت نباتاً نافعاً، فالمقصود من هذه الآية التّمثيل، وليسَ المقصود مجرّد تفصيل أحوال الأرض بعد نزول المطر، لأنّ الغرض المسوق له الكلام يجمع أمرين : العبرةَ بصنع الله، والموعظَة بما يماثل أحواله.
فالمعنى : كما أنّ البلد الطّيّب يَخرج نباته سريعاً بَهِجاً عند نزول المطر، والبلد الخبيثَ لا يكاد ينبت فإن أنبت أخرج نبْتاً خبيثاً لا خير فيه.


الصفحة التالية
Icon