والطيب وصف على وزن فَيْعِل وهي صيغة تدلّ على قوّة الوصف في الموصوف مثل : قيّم، وهو المتّصف بالطِّيببِ، وقد تقدّم تفسير الطيب عند قوله تعالى :﴿ قل أحلّ لكم الطّيّباتُ ﴾ في سورة المائدة ( ٤ )، وعند قوله :﴿ يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيِّباً ﴾ في سورة البقرة ( ١٦٨ ).
والبلد الطّيب الأرضُ الموصوفة بالطِّيببِ، وطيبها زكاء تربتها وملاءمتها لإخراج النّبات الصّالح وللزّرع والغرس النّافع وهي الأرض النّقيّه.
والذي خبث ضدّ الطَّيب.
وقوله :﴿ بإذن ربه ﴾ في موضع الحال من ﴿ نباته ﴾ والإذن : الأمر، والمراد به أمر العناية به كقوله :﴿ لِمَا خلقتُ بيَدَيّ ﴾ [ ص : ٧٥ ] ليدلّ على تشريف ذلك النّبات، فهو في معنى الوصف بالزّكاء، والمعنى : البلد الطَّيب يخرج نباته طيّباً زكياً مثلَه، وقد أشار إلى طيب نباته بأنّ خروجه بإذن ربّه، فأريد بهذا الإذن إذنٌ خاص هو إذن عناية وتكريم، وليس المراد إذن التّقدير والتّكوين فإنّ ذلك إذن معروف لا يتعلّق الغرض ببَيانه في مثل هذا المقام.
﴿ والذي خبث ﴾ حملهُ جميع المفسّرين على أنّه وصف للبلد، أي البلد الذي خبث وهو مقابل البلد الطّيب، وفسّروه بالأرض التي لا تنبت إلاّ نباتاً لا ينفع، ولا يسرع إنباتها، مثل السّباخ، وحملوا ضمير يَخْرج على أنّه عائد للنّبات، وجعلوا تقدير الكلام : والذي خبث لا ( يخرج ) نباتُه إلاّ نَكِداً، فحُذف المضاف في التّقدير، وهو نبات، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو ضمير البلد الذي خبث، المستترُ في فعل يخرج.
والذي يظهر لي : أن يكون ﴿ الذي ﴾ صادقاً على نبات الأرض، والمعنى : والنّبت الذي خبث لا يخرج إلاّ نَكِداً، ويكون في الكلام احتباك إذ لم يذكر وصف الطّيب بعد نبات البلد الطّيب، ولم تذكر الأرض الخبيثة قبل ذكر النّبات الخبيث، لدلالة كِلا الضدّين على الآخر.


الصفحة التالية
Icon