والتّقدير : والبلد الطّيب يخرج نباته طيّباً بإذْن ربّه، والنّبات الذي خبث يخرج نكداً من البلد الخبيث، وهذا صنع دقيق لا يهمل في الكلام البليغ.
وقرأ الجميع ﴿ لا يَخْرُج ﴾ بفتح التّحتيّة وضمّ الراء إلاّ ابنَ وردان عن أبي جعفر قرأ بضمّ التّحتيّة وكسر الرّاء على خلاف المشهور عنه، وقيل إنّ نسبة هذا لابن وردان توهم.
والنّكد وصف من النكَد بفتح الكاف وهو مصدر نَكِدَ الشّيءُ إذا كان غير صالح يَجُرّ على مستعمله شراً.
وقرأ أبو جعفر ﴿ إلا نكداً ﴾، بفتح الكاف.
وفي تفصيل معنى الآية جاء الحديث الصّحيح عن النبي ﷺ أنّه قال :" مثَلُ ما بَعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نَقِيَّةٌ قبِلَتْ الماءَ فأنبتت الكلأ والعُشْب الكثيرَ، وكانت منها أجَادِبُ أمسكت الماء فنفع بها الله النّاسَ فشربوا وسَقَوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنّما هي قِيعَانٌ لا تُمْسك ماء ولا تنبتُ كَلأ فذلك مثَل مَن فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني اللَّهُ به فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، ومَثَل من لم يَرْفَعْ لِذلك رأساً ولم يَقْبَل هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ به ".
والإشارة بقوله :﴿ كذلك نصرف الأيات ﴾ إلى تفنّن الاستدلال بالدّلائل الدّالة على عظيم القدرة المقتضية الوحدانيّة، والدّالة أيضاً على وقوع البعث بعد الموت، والدّالة على اختلاف قابليّة النّاس للهدى والانتفاع به بالاستدلال الواضححِ البيّن المقِرّب في جميع ذلك، فذلك تصريف أي تنويع وتفنين للآيات أي الدّلائل.
والمراد بالقوم الذين يشكرون : المؤمنون : تنبيهاً على أنّهم مورد التّمثيل بالبلد الطّيب، وأنّ غيرهم مورد التّمثيل بالبلد الخبيث، وهذا كقوله تعالى :﴿ وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلاّ العالِمُون ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾