قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (الرِّيحَ) مُفْرَدَةً وَالْبَاقُونَ (الرِّيَاحَ) بِالْجَمْعِ، وَرُسِمَتْ مِنَ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ لِتَحْتَمِلَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَلِذَلِكَ أَمْثَالٌ، وَالرِّيَاحُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَرْبَعٌ بِحَسَبِ مَهَابِّهَا مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ : الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَسُمِّيَتَا بِاسْمِ جِهَةِ مَهَبِّهِمَا، وَالثَّالِثَةُ الصَّبَا وَالْقَبُولُ وَهِيَ الشَّرْقِيَّةُ، وَالرَّابِعَةُ الدَّبُورُ وَهِيَ الْغَرْبِيَّةُ. وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَنْسِبُونَ رِيحَ الصَّبَا إِلَى نَجْدٍ، وَالْجَنُوبَ إِلَى الْيَمَنِ، وَالشَّمَالَ إِلَى الشَّمَالِ، وَالرِّيحُ الَّتِي تَنْحَرِفُ عَنْ هَذِهِ الْمَهَابِّ الْأَصْلِيَّةِ فَتَكُونُ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا تُسَمَّى النَّكْبَاءَ مُؤَنَّثَ الْأَنْكَبِ، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ نَكَبَ عَنِ الشَّيْءِ أَوْ عَنِ الطَّرِيقِ نَكْبًا وَنُكُوبًا إِذَا انْحَرَفَ وَتَحَوَّلَ عَنْهُ، وَمِنْهُ (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (٢٣ : ٧٤) وَإِذَا هَبَّتِ الرِّيَاحُ مِنْ مَهَابٍّ وَنَوَاحٍ مُخْتَلِفَةٍ سَمَّوْهَا الْمُتَنَاوِحَةَ. وَمِنَ الْمَأْثُورِ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ الرِّيَاحَ تَشْتَرِكُ فِي إِثَارَةِ السَّحَابِ
الْمُمْطِرِ فَيَقُولُونَ : إِنَّ الصَّبَا تُثِيرُهُ وَالشَّمَالَ تَجْمَعُهُ، وَالْجَنُوبَ تَدِرُّهُ وَالدَّبُورَ تُفَرِّقُهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي وَصْفِ سَحَابٍ مُمْطِرٍ دَعَا لِبِلَادِهِ بِهِ :

جَونٌ أَعَارَتْهُ الْجَنُوبُ جَانِبًا مِنْهَا وَوَاصَتْ صَوْبَهُ يَدُ الصَّبَا
ثُمَّ قَالَ :
إِذَا خَبَتْ بُرُوقُهُ عَنَّتْ لَهُ رِيحُ الصَّبَا تُثِيرُ مِنْهُ مَا خَبَا


الصفحة التالية
Icon