والسّحاب اسم جمع لسحابة فلذلك جاز اجراؤه على اعتبار التّذكير نظراً لتجرّد لفظه عن علامة التّأنيث، وجاز اعتبار التّأنيث فيه نظراً لكونه في معنى الجمع ولهذه النّكتة وصف السّحاب في ابتداء إرساله بأنّها تثير، ووصف بعد الغاية بأنّها ثقال، وهذا من إعجاز القرآن العلمي، وقد ورد الاعتبارَاننِ في هذه الآية فوُصِفَ السّحاب بقوله :﴿ ثقالاً ﴾ اعتباراً بالجمع كما قال ﷺ و
" رأيت بَقَراً تُذْبَح " وأعيد الضّمير إليه بالإفراد في قوله :﴿ سقناه ﴾.
وحقيقة السَّوْق أنّه تسيير مَا يمشي ومُسَيِّرُه وراءه يُزجيه ويَحثُّه، وهو هنا مستعار لتسير السّحاب بأسبابه التي جعلها الله، وقد يجعل تمثيلاً إذا رُوعي قوله :﴿ أقلت سحاباً ﴾ أي : سقناه بتلك الرّيح إلى بلد، فيكون تمثيلاً لحالة دفع الرّيح السّحاب بحالة سوق السّائق الدّابة.
واللاّم في قوله :﴿ لبلد ﴾ لام العلّة، أي لأجل بلد ميّت، وفي هذه اللاّم دلالة على العناية الرّبانية بذلك البلد فلذلك عدل عن تعدية ( سقناه ) بحرف ( إلى ).
والبلد : السّاحة الواسعة من الأرض.
والميّت : مجاز أطلق على الجانب الذي انعدم منه النّبات، وإسناد الموت المجازي إلى البلد هو أيضاً مجاز عقلي، لأنّ الميّت إنّما هو نباتُه وثَمره، كما دلّ عليه التّشبيه في قوله :﴿ كذلك نخرج الموتى ﴾.
والضّمير المجرور بالباء في قوله : فأخرجنا به يجوز أن يعود إلى البلد، فيكون الباء بمعنى ( في ) ويجوز أن يعود إلى المَاء فيكون الباء للآلة.