أما قوله :﴿أوعجبتم﴾ فالهمزة للإنكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قيل : أكذبتم وعجبتم أن جاءكم ؟ أي عجبتم أن جاءكم ذكر.
وذكروا في تفسير هذا الذكر وجوهاً.
قال الحسن : إنه الوحي الذي جاءهم به.
وقال آخرون : المراد بهذا الذكر المعجز، ثم ذلك المعجز يحتمل وجهين : أحدهما : أنه تعالى كان قد أنزل عليه كتاباً، وكان ذلك الكتاب معجزاً، فسماه الله تعالى ذكراً، كما سمي القرآن بهذا الاسم، وجعله معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
والثاني : أن ذلك المعجز كان شيئاً آخر سوى الكتاب.
وقوله :﴿على رَجُلٍ﴾ قال الفراء :﴿عَلَى﴾ ههنا بمعنى مع كما تقول : جاء بالخبر على وجهه ومع وجهه، كلاهما جائز.
وقال ابن قتيبة : أي على لسان رجل منكم، كما قال ﴿رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ [ آل عمران : ١٩٤ ] أي على لسان رسلك.
وقال آخرون :﴿ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ منزل على رجل، وقوله :﴿مِّنكُمْ﴾ أي تعرفون نسبه فهو منكم نسباً، وذلك لأن كونه منهم يزيل التعجب، لأن المرء بمن هو من جنسه أعرف، وبطهارة أحواله أعلم، وبما يقتضي السكون إليه أبصر، ثم بين تعالى ما لأجله يبعث الرسول، فقال :﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ وما لأجله ينذر، فقال :﴿وَلِتَتَّقُواْ﴾ وما لأجله يتقون، فقال :﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى، الفوز بالرحمة في دار الآخرة.
قال الجبائي والكعبي والقاضي : هذه الآية دالة على أنه تعالى أراد من الذين بعث الرسل إليهم، التقوى والفوز بالرحمة، وذلك يبطل قول من يقول : إنه تعالى أراد من بعضهم الكفر والعناد، وخلقهم لأجل العذاب والنار.
وجواب أصحابنا أن نقول : إن لم يتوقف الفعل على الداعي لزم رجحان الممكن لا لمرجح، وإن توقف لزم الجبر، ومتى لزم ذلك وجب القطع، فإنه تعالى أراد الكفر من الكافر، وذلك يبطل مذهبكم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٢٣ ـ ١٢٥﴾


الصفحة التالية
Icon