وقال أبو السعود :
﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ أجمعوا على تكذيبه في دعوى النبوةِ وما نزل عليه من الوحي الذي بلّغه إليهم وأنذرهم بما في تضاعيفه، واستمرّوا على ذلك هذه المدةَ المتطاولةَ بعد ما كرر عليه الصلاة والسلام عليهم الدعوةَ مراراً، فلم يزدهم دعاؤُه إلا فراراً حسبما نطق به قولُه تعالى :﴿ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾ الآيات، إذ هو الذي يعقُبه الإنجاءُ والإغراقُ لا مجلادُ التكذيب ﴿ فأنجيناه والذين مَعَهُ ﴾ من المؤمنين، قيل : كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأةً وقيل : تسعةً : أبناؤُه الثلاثة وستةٌ ممّن آمن به، وقوله تعالى :﴿ فِى الفلك ﴾ متعلقٌ بالاستقرار في الظرف أي استقروا في الظرف، أي استقروا معه في الفلك أو صحِبوه فيه، أو بفعل الإنجاء أي أنجيناهم في السفينة، ويجوز أن يتعلق بمُضْمر وقع حالاً من الموصول أو من ضميره في الظرف ﴿ وأغرقنا الذين كذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ أي استمروا على تكذيبها، وليس المرادُ بهم الملأَ المتصدِّين للجواب فقط بل كلَّ من أصرّ على التكذيب منهم ومن أعقابهم، وتقديمُ ذكرِ الإنجاءِ على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به، والإيذانِ بسبق الرحمةِ التي هي مقتضى الذاتِ، وتقدُّمِها على الغضب الذي يظهر أثرُه بمقتضى جرائمِهم ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ ﴾ عُمْيَ القلوبِ غيرَ مستبصرين.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : عمِيَتْ قلوبُهم عن معرفة التوحيد والنبوةِ والمعاد، وقرىء عامِينَ والأولُ أدلُّ على الثبات والقرار. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾