وقال ابن عاشور :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) ﴾
فصلت جملة :﴿ قال ﴾ على طريقة فَصْل المحاورات.
والنّداء في جوابه إياهم للاهتمام بالخبر، ولم يخصّ خطابَه بالذين جاوبوه، بل أعاد الخطاب إلى القوم كلّهم، لأنّ جوابه مع كونه مجادلة للملأ من قومه هو أيضاً يتضمّن دعوة عامة، كما هو بيِّن، وتقدّم آنفاً نكتة التّعبير في ندائهم بوصف القوم المضاف إلى ضميره، فأعاد ذلك مرّة ثانية استنزالاً لطائر نفوسهم ممّا سيَعقُب النّداء من الرد عليهم وإبطال قولهم ﴿ إنّا لنراك في ضلال مبين ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ].
والضّلالة مصدر مثل الضّلال، فتأنيثه لَفْظي محض، والعرب يستشعرون التّأنيث غالباً في أسماء أجناس المعاني، مثل الغواية والسّفاهة، فالتّاء لمجرّد تأنيث اللّفظ وليس في هذه التّاء معنى الوحدة لأنّ أسماء أجناس المعاني لا تراعَى فيها المُشخّصات، فليس الضّلال بمنزلة اسم الجمع للضّلالة، خلافاً لِما في "الكشاف"، وكأنَّه حاول إثبات الفرق بين قول قومه له ﴿ إنّا لنراك في ضلال ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ]، وقوله هُو :﴿ ليس بي ضلالة ﴾ وتبعه فيه الفخر، وابن الأثير في "المثل السّائر"، وقد تكلّف لتصحيحه التفتازاني، ولا حاجة إلى ذلك، لأنّ التّخالف بين كلمتي ضلال وضلالة اقتضاه التّفنّن حيث سبق لفظ ضلال، وموجب سبقه إرادة وصفه بـ ﴿ مبين ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ]، فلو عبّر هنالك بلفظ ضلالة لكان وصفها بمبيّنة غير مألوف الاستعمال، ولما تقدّم لفظ ﴿ ضلال ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ] استحسن أن يعاد بلفظ يغايره في السّورة دفعاً لثقل الإعادة ؛ فقوله :﴿ ليس بي ضلالة ﴾ ردّ لقولهم :﴿ إنا لنراك في ضلال مبين ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ] بمساويه لا بأبلغ منه.