والجواب عن السؤال الثانى : أن الواقع فى سورة هود من قوله تعالى مخبرا عن جواب قوم نوح :"ما نراك إلا بشرا مثلنا "إلى آخر كلامهم كلام لا يستقل مبتدأ به بل يستدعى ما يبنى عليه إذ لا يفتتح أحد أحدا مبتدئا بمثل هذا وإنما يتكلم بهذا جوابا ولما قال لهم نوح عليه السلام :"يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " إلى ما عرفهم به مما حصل منه الإعلام بمقامه النبوى جاوبوه بعدا عن تعرف صدقة ومعرفة حقه بقولهم :"ما نراك إلا بشرا مثلنا "، أى لو كنت كما تزعم لكنت من جنس الملائكة ولم تكن من جنس البشر وقد أفصحوا بهذا فى سورة المؤمنين وتكرر هذا المرتكب من غيرهم فى غير ما آية فلبناء هذا الكلام على ما قبله وتمحض الجوابية فيه ورد بالفاء المقتضية السببية والمبنية للجوابية ومثل هذا من غير فرق هو والوارد من جوابهم فى سورة المؤمنين من قولهم :"ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم "، ثم قالوا :"ولو شاء الله لأنزل ملائكة " وهذا هو الذى أشرنا إليه من مقالهم فى هاتين السورتين بالفاء لربط الجوابية وضوح السببية وأما قوله فى سورة الأعراف :"قال الملأ من قومه إنا لنراك فى ضلال مبين " فإن هذا وإن تضمن الجوابية فإنه كلام يستأنف ويبتدأ بمثله ولا يفتقر إلى ما يبنى عليه فناسب ذلك وروده بغير الفاء وحصلت الجوابية من حيث المعنى مع رعى ما يناسب فى النظم ونظير هذا فى وروده بغير الفاء لما ذكر قوله تعالى فى قصة هود عليه السلام :"قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين " فتأمل جوابهم هنا لما كان الوارد فى قصة نوح عليه السلام فى أنه يبتدأ بمثله ولا يفتقر إلى ما يبنى عليه كيف ورد بغير الفاء فهذا يزيدك وضوحا فيما قدمناه والله سبحانه أعلم.