منهم " وقال تعالى :"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم
قد كذبوا جاءهم نصرنا... "الآية.
فأقول بناء على ما تمهد أن قوم نوح لما ذكر تعالى عنهم فى سورتى هود والمؤمنين إساءة فى جوابهم لنبيهم وإطالة فى المرتكب حين قالوا فى سورة هود :"ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " فجمعوا فى هذه الإطالة توهمهم مساواته عليه السلام، فيما رآه البادى من البشؤية والصورة الإنسانية إلى استرذال أتباعه كما قالوا فى الموضع الآخر :"أنؤمن لك واتبعك الأرذلون "وإلى التعامى عن فضله عليه السلام عليهم وظنهم كذبه وقد نزهه الله من ذلك كله فإذا تأملت مجموع هذا استطلعت منه مكنون كفرهم ومثل هذا من غير فرق قولهم فى آية المؤمنين :"ما هذا إلا بشر مثلكم "إلى قولهم :"إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين " فلإساءتهم فيما ذكر من الوارد عنهم فى الموضعين وصفوا بالكفر فقال تعالى :"فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فوصفهم بالكفر فى السورتين وأما آية الأعراف فقولهم فيها :"إنا لنراك فى ضلال مبين " ليس كجوابهم فى السورتين الأخريين لا من جهة الطول ولا من جهة المعنى لأن لفظ الضلال ليس بنص فى الضلال عن الدين لأنه يقال ضل بمعنى تحيز وجار عن دين أو طريق ويتسع فى إطلاق لفظ الضلال على غير ما ذكرنا وقد قال بعض المفسرون هنا فى تفسير الضلال :"إنه الذهاب عن طريق الصواب والحق " وبالجملة فإنهم لم يريدوا هنا الضلال الذى هو الكفر وإن كان قد يقع إذا تقدمته قرينة على أعظم من الكفر وأما هنا فليس كذلك فلما لم يكن فى الوارد فى سورة الأعراف من الإطالة فى العبارة والإبلاغ فيما قصدوه من المعنى مثل ما فى السورتين ناسبه الإيجاز وإن لم يوصفوا هنا بالكفر فقال تعالى :"قال الملأ من قومه "ومما يشهد أن قوم هود عليه السلام لما بلغوا فى إساءة جوابهم لنبيهم فى قولهم :"إنا لنراك فى سفاهة " وأرادوا فى قلة علم وخفة حلم قاله الغرنوى : وقال غيره : فى خفة حلم


الصفحة التالية
Icon