﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ﴾ [ الإسراء : ١٥ ] وفي قصة هود في سورة الأحقاف ﴿وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه﴾ [ الأحقاف : ٢١ ] ؛ وله سر آخر وهو أن هذه الأمم كان عند العرب كثير من أخبارهم ففصلت لهم أحوالهم، وطوي عنهم من لم يكن عندهم شعور بهم فلم يذكروا إلا إجمالاً لئلا يسارعوا إلى التكذيب بما ينزل فيهم من غير دليل شهودي يقام عليهم.
ولما ذكرهم بمطلق الإبقاء بعد ذلك الإغراق العام، أتبعه التذكير بالزيادة فقال :﴿وزادكم﴾ أي على من قبلكم أو على من هو موجود في الأرض في زمانكم ﴿في الخلق﴾ أي الخاص بكم ﴿بسطة﴾ أي في الحس بطول الأبدان والمعنى بقوة الأركان، قيل : كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعاً، وقيل : أكثر.
ولما عظمت النعمة، كرر عليهم التذكير فقال مسبباً عن ذلك ﴿فاذكروا آلاء الله﴾ أي نعم الذي استجمع صفات العظمة التي أنعم عليكم بها من الاستخلاف والقوة وغيرهما، واذكروا أنه لا نعمة عندكم لغيره أصلاً، فصار مستحقاً لأن تخصوه بالعبادة ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي ليكون حالكم حال من يرجي فلاحه وهو ظفره بجميع مراده، لأن الذكر موجب للشكر الموجب للزيادة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥٣ ـ ٥٤﴾
فصل
قال الفخر :
والفرق السادس : بين القصتين أن نوحاً عليه السلام قال :﴿أوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [ الأعراف : ٦٣ ] وفي قصة هود أعاد هذا الكلام بعينه إلا أنه حذف منه قوله :﴿وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ والسبب فيه أنه لما ظهر في القصة الأولى أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة لم يكن إلى إعادته في هذه القصة حاجة، وأما بعد هذه الكلمة فكله من خواص قصة هود عليه السلام وهو قوله تعالى حكاية عن هود عليه السلام :﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [ الأعراف : ٦٩ ].