وقال أبو حيان :
﴿ قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين ﴾
الظاهر أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا الله بالعبادة مع اعترافهم بالله حبّاً لما نشؤوا عليه وتآلفاً لما وجدوا آباءهم عليه ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم ﴿ لنعبد الله وحده ﴾ أي على قولك يا هود ودعواك قاله ابن عطية، وقال التأويل الأوّل أظهر فيهم وفي عباد الأوثان ولا يجحد ربوبية الله من الكفرة إلا من ادّعاها لنفسه كفرعون ونمرود انتهى، وكان في قول هود لقومه ﴿ فاذكروا آلاء الله ﴾ دليل قاطع على أنه لا يعبد إلا المنعم وأصنامهم جمادات لا قدرة على شيء البتة والعبادة هي نهاية التعظيم فلا يليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ولما نبّه على هذه الحجة ولم يكن لهم أن يجيبوا عنها عدلوا إلى التقليد البحت فقالوا ﴿ أجئتنا لنعبد الله وحده ﴾ والمجيء هنا يحتمل أن يكون حقيقة بكونه متغيباً عن قومه منفرداً بعبادة ربه ثم أرسله الله إليهم فجاءهم من مكان متغيبه ويحتمل أن يكون قولهم ذلك على سبيل الاستهزاء لأنهم كانوا يعتقدون أنّ الله لا يرسل إلا الملائكة فكأنهم قالوا : أجئتنا من السماء كما يجيء الملك ولا يريدون حقيقة المجيء ولكن التعرّض والقصد كما يقال ذهب يشتمني لا يريدون حقيقة الذهاب كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكاليف ذلك وفي قولهم ﴿ فائتنا بما تعدنا ﴾ دليل على أنه كان يعدهم بعذاب الله إن داموا على الكفر وقولهم ذلك يدلّ على تصميمهم على تكذيبه واحتقارهم لأمر النبوّة واستعجال العقوبة إذ هي عندهم لا تقع أصلاً وقد تقدّم قوله ﴿ إنا لنراك في سفاهة ﴾ و﴿ إنا لنظنّك من الكاذبين ﴾ فلما كانوا يعتقدون كونه كاذباً قالوا ﴿ فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴾ أي في نبوّتك وإرسالك أو في العذاب نازل بنا. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾