وقال ابن عاشور :
﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
جاوبوا هوداً بما أنبأ عن ضياع حجّته في جنب ضلالة عقولهم ومكابرة نفوسهم، ولذلك أعادوا تكذيبه بطريق الاستفهام الإنكاري على دعوته للتّوحيد، وهذا الجواب أقلّ جفوة وغلِظة من جوابهم الأوّل، إذ قالوا :﴿ إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين ﴾ [ الأعراف : ٦٦ ] كأنّهم راموا استنزل نفس هود ومحاولة إرجاعه عمّا دعاهم إليه، فلذلك اقتصروا على الإنكار وذكروه بأنّ الأمر الذي أنكرهُ هوَ دينُ آباء الجميع تعريضاً بأنّه سفّه آباءه، وهذا المقصد هو الذي اقتضى التّعبير عن دينهم بطريق الموصولية في قولهم :﴿ ما كان يعبد آباؤنا ﴾ إيماء إلى وجه الإنكار عليه وإلى أنه حقيق بمتابعة دين آبائه، كما قال الملأُ من قريش لأبي طالب حين دعاه النّبيء ﷺ أنْ يقول :" لا إله إلا الله " عند احتضاره فقالوا لأبي طالب :"أترغَبُ عن ملّة عبد المطّلب".
واجتلاب ( كانَ ) لتدلّ على أن عبادتهم أمر قديم مَضت عليه العصور.
والتّعبير بالفعل وكونه مضارعاً في قوله :﴿ يَعبد ﴾ ليدلّ على أنّ ذلك متكرّر من آبائهم ومتجدّد وأنّهم لا يَفتُرون عنه.
ومعنى ﴿ أجئتنا ﴾ أقصدتَ واهتممت بنا لنعبد الله وحده فاستعير فعل المجيء لمعنى الاهتمام والتّحفّز والتّصلّب، كقول العرب : ذَهب يفعل، وفي القرآن :﴿ يا أيها المدّثّر قُمْ فأنْذِر ﴾ [ المدثر : ١، ٢ ] وقال حكاية عن فرعون :﴿ ثمّ أدْبَر يَسْعَى فحشر فنادى ﴾ [ النازعات : ٢٢، ٢٣ ] وفرعون لم يفارق مجلس ملكه وإنّما أريد أنّه أعرض واهتمّ ومثله قولهم ذهب يفعل كذا قال النّبهاني:
فإن كنتَ سيّدَنّا سُدْتَنا...
وإن كُنْتَ لِلْخَال فاذْهب فَخلْ


الصفحة التالية
Icon