وقال أبو السعود :
﴿ وإلى ثمودَ أخاهم صالحاً ﴾
عطف على ما سبق من قوله تعالى :﴿ وإلى عاد أخاهم هوداً ﴾ موافقٌ له في تقديم المجرورِ على المنصوب، وثمودُ قبيلةٌ من العرب سُمُّوا باسم أبيهم الأكبرِ ثمودَ بنِ عابرِ بن إرَمَ بنِ سام بنِ نوحٍ عليه السلام وقيل : إنما سُمُّوا بذلك لقلة مائِهم من الثمْدُ وهو الماء القليل، وقرىء بالصرف بتأويل الحيّ وكانت مساكنُهم الحِجْرَ بين الحجاز والشام إلى وادي القُرى وإخوةُ صالح عليه السلام لهم من حيث النسبُ كهودٍ عليه السلام فإنه صالحُ بنُ عبيد بنِ أسف بنِ ماسحِ بن عبيد بن حاذر بن ثمود، ولما كان الإخبارُ بإرساله عليه السلام إليهم مَظِنةً لأن يُسأل ويقال : فماذا قال لهم؟ قيل جواباً عنه بطريق الاستئناف ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ وقد مر الكلامُ في نظائره ﴿ قد جاءتكم بينة ﴾ أي آيةٌ ومعجزةٌ ظاهرة شاهدةٌ بنبوّتي، وهي من الألفاظِ الجاريةِ مجرى الأبطحِ والأبرق في الاستغناء عن ذكر موصوفاتِها حالةَ الإفراد، والجمع كالصالح إفراداً وجمعاً وكذلك الحسنةُ والسيئة سواءٌ كانتا صفتين للأعمال أو المثوبة أو الحالة من الرخاء والشدة، ولذلك أوُلِيَت العوامل وقوله تعالى :﴿ من ربكم ﴾ متعلّقٌ بجاءتكم أو بمحذوف هو صفةٌ لبينةٌ كما مر مراراً، والمرادُ بها الناقةُ وليس هذا الكلام منه عليه السلام أولَ ما خاطبهم إثرَ دعوتِهم إلى التوحيد، بل إنما قاله بعد ما نصحهم وذكّرهم بنعم الله تعالى فلم يقبلوا كلامَه وكذبوه، ألا يُرى إلى ما في سورة هود من قوله تعالى :﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعْمَركم فيها ﴾ إلى آخر الآيات. روي أنه لما أُهلكت عادٌ عَمَرت ثمودُ بلادَها وخلفوهم في الأرض وكثُروا وعُمِّروا أعماراً طِوالاً حتى إن الرجلَ كان يبني المسكن المُحْكَم فينهدمُ في حياته فنحتوا البيوتَ من الجبال وكانوا في سعة ورخاءٍ من العيش فعتَوْا على الله تعالى وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثانَ فبعث الله تعالى إليهم


الصفحة التالية
Icon